الفرص والتحديات لعام 2020 في سوق الحبوب والبذور الزيتية

تُعتبر اليوم تجارة الحبوب العالمية جزء من النظام الغذائي الذي يسمح بسدّ الفجوة بين العرض و الطلب. وتتطور أنماط تجارة الحبوب والبذور الزيتية العالمية بشكل مستمر نظراً لارتفاع مستويات الدخل وتزايد عدد السكان مما يساهم في تغير الخيارات الغذائية. تقدم الأمانة العامة لمجلس الحبوب العالمي (IGC) منظوراً جيداً لما يمكن أن تكون عليه الفرص والتحديات الرئيسية لعام 2020 في سوق الحبوب والبذور الزيتية.

 

سوق القمح: الاستهلاك الديناميكي والتدابير غير المتعلقة بالتعرفة الجمركية
ينطبق ذلك على المواد الغذائية القائمة على القمح في بعض مناطق آسيا وأفريقيا حيث يبتعد فيها المستهلكون عن المواد الغذائية الأساسية المنتجة داخل البلاد كالذرة و الأرز. فعلى سبيل المثال، تُعد مصر مستورد القمح رقم واحد في العالم منذ فترة طويلة. لكن ستهدد إندونيسيا قريباً موقع مصر هذا، وهي البلد الذي لا ينتج القمح والتي تضاعفت وارداتها في آخر عشر سنوات بسبب ارتفاع الطلب على منتجات القمح. وهناك العديد من البلدان الأخرى التي تشهد أسواقها نمواً سريعاً، كبنغلاديش، ونيجريا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.

إن تغيير الخيارات الغذائية للمواد الغذائية غير المزروعة محلياً أو المنتجة بكميات غير كافية يزيد من اعتماد المنتجين الكبار على الاستيراد. وقد تزداد هذه التدفقات التجارية المتغيرة سوءاً بسبب التغير المناخي إذا أثر سوء الأحوال الجوية على المحاصيل المحلية مستقبلاً. كما أن التجارة نفسها عُرضة للأحداث المناخية المتطرفة والتطورات الجيوسياسية، وربما يساهم ذلك في إعاقة أو خنق تدفق حركة السلع في الأسواق المحلية والنامية.

إلى جانب قواعد العرض والطلب، فإن أحد أهم التحديات التي تواجه تجارة الحبوب العالمية في السنوات الأخيرة هو تزايد التوتر بين اللاعبين الكبار في السوق. وبالإضافة لذلك، تتخذ العوائق في وجه التجارة العديد من الأشكال، وازدادت على مرّ السنوات التدابير غير المتعلقة بالتعرفة الجمركية (NTMs) والتي تقيد التجارة العالمية من ناحية العدد والتعقيد، وتمثل اليوم أحد أهم التحديات والصعوبات على التدفق الحرّ للتجارة العالمية.

إن تأثير القيود غير المتعلقة بالتعرفة الجمركية على تجارة القمح هام جداً، حبث أن بعض التقديرات تشير إلى أن هذا النوع من التدابير المتعلقة بالحبوب يشكل ثلث جميع التدابير. غالباً ما تستخدم هذه القيود للحماية من المخاطر على صحة الإنسان أو الحيوان أو النبات. لكن هناك خطر أيضاً أن يصبح هذا النوع من التدابير سياسة عامة أكثر لتنظيم الاستيراد.

من الممكن للقيود غير المتعلقة بالتعرفة، المشروعة منها وغير المشروعة، أن تزيد من المخاطر التجارية بالنسبة للتجار، وقد تؤدي إلى تضخيم التكاليف المتعلقة بالامتثال والإدارة. غالباً ما يتم اعتبار الحدود القصوى للمخلفات (MRL) على أنها أحد أكبر التحديات، حيث يواجه التجار في مختلف البلدان معايير مختلفة في كثير من الأحيان. ويتم أحياناً انتقاد التدابير المتعلقة بالأمن الغذائي على أنها تستند إلى تكهنات مجتمعية غير علمية، بما في ذلك انتقاد الكائنات الحية المعدلة وراثياً والمتطلبات البيئية ومتطلبات الاستدامة. وعلى أقل تقدير، يمكن أن تساهم هذه التدابير غير المتعلقة بالتعرفة على الأعمال اليومية من ناحيتي التكلفة والتعقيد في الإجراءات.

إن أحد أهم الأهداف المستقبلية لمجلس الحبوب الدولي هو مواصلة دعم توسيع التجارة العالمية؛ لضمان التدفق الحر لهذه التجارة، بما في ذلك إزالة الحواجز التجارية والممارسات غير المشروعة والتمييزية.

سوق الذرة: أمريكا الجنوبية كقوة دافعة جديدة
يتم تصدير عُشر الإنتاج العالمي تقريباً من الذرة، وتُعتبر الذرة أقل تعرضاً للمشاكل المرتبطة بالتجارة بالمقارنة مع فول الصويا، الذي يتم تصدير نصف الإنتاج منه تقريباً والقمح، الذي يتم تصدير ربع الإنتاج منه تقريباً. بالإضافة لذلك، شكلت التجارة عنصراً متزايد الأهمية في ميزانية العرض والطلب العالميين على الذرة مع التدفقات التي تضاعفت في آخر عشر سنوات بسبب الاستخدام المتزايد للذرة كأعلاف في بعض المناطق من أوروبا وآسيا.

ونظراً لزيادة عمليات التسليم في معظم المناطق، فمن المتوقع أن تصل التجارة العالمية في فترة الاثني عشر شهراً لغاية يونيو 2020 إلى 168 مليون طن، بزيادة سنوية بنسبة 2 في المائة للموسم الحادي عشر على التوالي. وعلى الرغم من أن تقديرات مجلس الحبوب الدولي بشأن مشتريات أجزاء من أمريكا الجنوبية والدول الآسيوية المطلة على المحيط الهادئ قد زادت مؤخراً بشكل حيوي أكثل من المتوقع، لكن المتوسط بالنسبة لآخر موسمين بقي أقل بكثير من الأرباح البالغة 10 بالمائة. بالإضافة لذلك، يجب الانتباه أيضاً للاحتمالات السلبية للمشهد.

إن التحديات الأكبر التي تواجه التجارة العالمية والتي تشمل تراجع الزخم الاقتصادي، والتوترات التجارية، وازدياد المخاطر الجيوسياسية، وازدياد المشاعر العدائية، وتفشي الأوبئة وبخاصة وباء أنفلونزا الخنازير في آسيا وأفريقيا، كلها عوامل ساهمت في زيادة استهلاك الذرة. منذ الإبلاغ عن أول حالة في الصين في شهر أغسطس 2018 وحتى اليوم، انتشر هذا الوباء شديد العدوى ليشمل كذلك المنتجين الكبار للثروة الحيوانية في دول جنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية وفيتنام. وعلى الرغم من الطلب الإقليمي على الذرة كان مرناً نسبياً في مواجهة الوباء، فمن المتوقع انخفاض واردات الصين وفيتنام لأول مرة منذ بضع سنوات، بسبب الانتقال جزئياً لى بدائل للحم الخنزير، بينما يستمر تهديد الوباء الجديد. تقتصر المشتريات السنوية للصين على حصة التعرفة الجمركية لـ 7.2 مليون طن، لكن قد تتخطى ورادات هذه الدولة التوقعات في موسم 2019/20.

يبدو أن المنافسة الشديدة الآتية من البدائل تحدّ من علف الذرة واستيراده في بعض المناطق، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا. وقد تنخفض عمليات تسليم الشحنات للاتحاد الأوروبي لتصل إلى 20 مليون طن تقريباً، بنسبة الخمس سنوياً، في موسم 2019/20، من بين واردات الحبوب والقش الأكثر راحة كعلف. مع ذلك، سيظل الحجم عند ثاني أعلى مستوى له، وسيظل الاتحاد الأوروبي في كونه المستورد الأهم لثلاث سنوات متتالية. لقد بدأت عمليات التسليم للاتحاد الأوروبي في الموسم بداية قوية للغاية بالنسبة لشهري يونيو/يوليو، وذلك لأن الواردات في معظمها تأتي من البرازيل وأوكرانيا، وبسبب الأسعار العالمية الجاذبة والتأخيرات في الحصاد المحلي، لكن معدل الاستيراد أخذ في التباطؤ. وانخفض إجمالي المشتريات السنوية قليلاً اعتباراً من شهر ديسمبر.

أما من ناحية التصدير، فلقد عانى الموردون من التعقيدات في الأشهر القليلة الماضية، لكن بدأت الأسعار الآن بالاقتراب من بعضها البعض. أصبحت أسعار الصادرات في الأرجنتين والبرازيل منافسة لدرجة كبيرة بسبب الفائض في الإنتاج، وبفضل انخفاض قيمة العملات المحلية مقابل الدولار الأمريكي، وتنخفض باستمرار العروض القادمة من الولايات المتحدة. بالنتيجة، وفي الحين الذي كانت فيه الشحنات المرسلة من قبل الموردين في أمريكا الجنوبية تتقدم بسرعة قياسية، تراجعت كثيراً مبيعات الولايات المتحدة مقارنة بالعام السابق. لكن تحسّن مؤخراً وضع التصدير في الولايات المتحدة بسبب الضعف في عروض الخليج والتناقض في مكاسب سعر الصرف المتعلق بالعرض في الأرجنتين والبرازيل.

يبدو أن المخزون الموجود في البرازيل قليل، ويُقدر بأن المخزون المحلي في نهاية السنة سيكون عند أدنى مستوى له في آخر 13 موسم، لا سيما بسبب تزايد الطلب الداخلي والخارجي. أما بالنسبة لصادرات البلاد، يبدو وكأنه لن يتم تجديدها لحين الحصاد الأساسي (safrinha) في شهر يوليو القادم. بالإضافة لذلك، فالتقلبات في سياسة التصدير التي تتبعها الحكومة الأرجنتينية والأحوال الجوية المضطربة زادت أكثر من حالة عدم الاستقرار بشأن التوقعات التجارية وإنتاج الذرة في البلاد. في هذا السياق، انتعشت مبيعات الولايات المتحدة مع التحسن الذي تشهده بيانات تعهدات التصدير. مع ذلك، ستبقى المنافسة مع أوكرانيا صعبة بسبب الاختلافات الضيقة في أسعار FOB (التسليم مع الشحن مجاناً)، مما يدل على أن تكاليف الشحن قد تكون العامل الحاسم بالنسبة لبعض المشترين. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ستزيد من تواجدها في السوق خلال الأشهر المقبلة، تشير التقديرات إلى أن الشحنات حتى شهر يونيو 2020 ستقل بمقدار الربع تقريبًا على أساس سنوي، وستنخفض حصتها في الصادرات العالمية إلى 26 بالمائة نتيجة انكماش بنسبة 10 بالمائة. حيث كانت هذه نسبة هذه الحصة 51 في المئة قبل عشر سنوات.